الأربعاء، شعبان ٠٩، ١٤٣١

إقصاء غير متعمد



بقلم الدكتورة / رؤوفة حسن
--------------------------------


تعج الساحة السياسية اليمنية هذه الأيام بأنواع من الصراعات بعضها جديد وبعضها قديم. وتمتلئ زوايا الأماكن بمجاميع من الناس يتهامسون في ما بينهم بإشاعات جديدة كل يوم خلاصتها تغييرات مناصب ووظائف ومواقع مهددة بالزوال. إنها القصة الأزلية للبلدان والحكومات في كل زمان ومكان. وقد تبدو اليمن أيضا وكأنها في حركة انتقال دائبة في السياسات والأشخاص والتوجهات في الظاهر، لكن جوهر الأشياء ثابت ولا شيء فعلا في صميم الناس وأسلوب حياتهم ورؤيتهم لأنفسهم وللعالم من حولهم يؤثر على استمرارهم فيما يعرفون ويألفون خطأً كان أو صواباً. ويتجنب الأكاديميون والمختصون الوقوع في مزالق الصراعات الساخنة فيلجأون إلى الحصول على سند حزبي يؤازر أطروحاتهم أو يصمتون وكذلك تفعل جامعاتهم، ومراكز الأبحاث القليلة من حولهم. لكن الساحة تبقى لمروجي الشائعات دون منازع. يتعرضون لشخصية عامة معينة فيلقون عليها كل اللوم وكل الأخطاء ما مضى منها وما سيأتي. وعندما يستهلكون كل شيء متاح للقول عنها تأتي فترة لم يعد فيها ما يمكن إضافته سوى الحديث على استحياء عن محاسن تلك الشخصية وخصال حميدة أخرى، وهكذا. وفي كل الأحوال فإن أروع الأشخاص وأكثرهم إنتاجا وأهمهم للأمة والوطن في نظام الأقاويل، هم أولئك الذين ماتوا سواء في ساحات المعارك الحربية أو ساحات المعارك مع الصحة أو شظف العيش اليومي أو هموم الحياة العملية والأسرية. يتم ذلك لأننا في حضارة تحرص على ذكر محاسن موتانا وتركز بعناية بالغة على مساوئ أحيائنا. فقط في الثورات والانقلابات تتحول كل وسائل الدعاية والإعلام والترويج والإشاعات إلى نقطة تركيز على من تم الخلاص منه وانتهى زمن قوته وسلطته. المهم هذه الأيام تستقبل أذنيك كل لحظة تأكيداًَ على وقوع حدث تغيير وزاري أو إداري وأشخاص لا يحترمون سرية العمل والوظيفة فيخبرونك عن قرارات يتم وضع المسودات الأولية لها فلا تنشر الأخبار الرسمية خبراً إلا وقد صار مستهلكا إلى أقصى مداه وصار معروفا للقاصي والداني. وآخرين يؤكدون لك السيناريوهات القادمة وكأنهم هم من رسمها، وعندما لاتصدق توقعاتهم وأخبارهم يشرحون مستجدات أخرى هي التي منعت ما أخبرونا بقرب حدوثه عن الوقوع. وفي هذا الخضم يمجد الطامحون أنفسهم بكل الطرق، ويخدم طموحاتهم المعلنة والكامنة الناس الذين يحملون من حولهم لتلميعهم وتحقيق صور الإبهار عنهم. وللنساء نصيب مما اكتسبن: أما النساء القليلات في الساحة العامة فهن الموضوع المفضل للإشاعات القاسية العنيفة، كاستمرار لتصعيب الحياة على مشاركتهن في التنمية التي لا يمكن أن تتحقق بدون وجودهن. والوحيدات منهن اللواتي يتمتعن بقليل من هذه الإشاعات وليس بالكثير منها هن أولئك اللواتي يظهرن في المجال العام لكنهن لا يفعلن شيئا ولا يحققن مكسباً ولا يدافعن عن قضية ولا يختلفن مع أطروحة. والبارزات يصارعن بعضهن البعض على فتات المناصب النادرة المتاحة، ويساهمن في حرب النساء بكل ضراوة وبدلا من أن تتسع المساحة للجميع يرتفع شعار نفسي يانفسي وبعدي الطوفان، فمادام رجال السياسة يفعلون ذلك فلم لا تفعله النساء. عقدة الذات والإقصاء: القصة رجالية ونسائية في عملية إقصاء الآخرين وبالذات الذين لديهم قوة تأثير أو أكثر خبرة ومعرفة. يمارس بعضهم هذا السلوك متعمداً ومدركاً ويمارسه البعض تلقائيا بحكم العادة. وفي تجربة ظريفة للمشاركة في تركيا في ندوة للعلاقات اليمنية التركية كان من بيننا شخصية عامة معها مسؤول عن متابعة اخبارها ونشرها. وهكذا عند العودة تلقيت على بريدي الالكتروني كما قرأت في بعض الصحف خبر حضور تلك الشخصية في ذلك النشاط وتقديمها لمشاركة متميزة بحيث يطرح الخبر بصيغته تلك نفسه وكأن تلك الشخصية كانت هناك في تلك الندوة وحدها تتحمل مسؤولية تحسين العلاقات الدولية اليمنية مع تركيا بمفردها ولم يكن هناك أي شخصية أخرى من اليمن رغم أهمية مشاركتهم والمساهمات التي قدموها. هكذا يتم الإقصاء لوجود الآخرين فيستفزهم حتى لو كان غير متعمد، ويمكن لكل شخصية من الذين حضروا أن تنشر أيضا خبرا صحفيا بفردية المشاركة أو بجماعيتها مع إقصاء الشخصية التي اعتاد مكتبها الغاء كل وجود جوارها. الإقصاء يقع أيضا في طرح قضايا تاريخية عند محاولة تجنب أماكن أو شخصيا أو فترات كي لا يقع المتخصص في لوم أو عتاب من القوى المؤدلجة التي لا تقبل رأيا مغايرا ولا أطروحة مختلفة. وقد حدث ذلك أيضا في فترة مشاركتنا المذكورة في تركيا، كجزء من تراث ينظر للأشياء من زاوية واحدة.
----------------------------------------

عن"الثورة"
السبت 26 يونيو-حزيران 2010 07:53 م

هموم اول القرن:خواطر في قضايا الصحافة



بقلم/ نصر طه مصطفى

---------------------------


أثبتت لي تجاربي خلال السنوات الماضية أن الرئيس علي عبدالله صالح هو الأكثر وعيا وإدراكا ومرونة وفهما لكل مقتضيات التطور في هذا البلد ولكل ما يجري فيه من كل من حوله مع احترامي وتقديري للجميع... وما أقوله ليس مجاملة بل حقيقة واقعة تؤكدها كل الشواهد ويعرفها جيدا كل من يعرفون الرجل،

فما دعاني لقول ذلك هو حديثه قبل أمس الثلاثاء مع رؤساء وفود مجالس الشورى والشيوخ العربية والإفريقية وبالذات ذلك الجزء المتعلق بحرية الصحافة الذي تحدث فيه الرئيس بوضوح وشفافية ومصداقية نادرة... فهو أشار إلى عملية المران النفسي على مسألة حرية الصحافة وما ينبني عليها من نقد سياسي بأسلوب جميل يدل على روح رياضية رائعة قلما تكون موجودة لدى قائد سياسي خبير ومحنك مثله.

هذا كله يذكرني بمواقف سابقة كثيرة له أثبت من خلالها مستوى دعمه لقضايا الحريات الصحفية يمكنني أن أذكر بعضها مثل توجيهه بإجراء تعديل قانوني يلغي عقوبة حبس الصحفي بسبب الرأي وتوجيهه بالسماح لأجهزة البث المباشر الخاصة بقناة الجزيرة بالدخول لليمن وتضمينه برنامجه الانتخابي حرية إطلاق القنوات والإذاعات الخاصة ومواقف سابقة كثيرة ليس في المجال متسع لذكرها... لكني أريد أن تكون مدخلا للحديث المتأخر عن يوم الحرية العالمي للصحافة الذي صادف الخميس الماضي ومن خلاله أريد أن أعبر عن آمال عريضة تكرس حرية الصحافة في بلدنا باعتبارها أكثر وأجمل إشراقات الديمقراطية التي نعيشها منذ سبعة عشر عاما ستكتمل بعد اثني عشر يوما في الاحتفال بالعيد الوطني الذي جلب معه الخير لهذا البلد فالوحدة خير والديمقراطية خير وحرية الرأي خير ونأمل أن يكتمل هذا الخير بزوال المصاعب الاقتصادية والمعيشية عما قريب فالمستقبل يحفل بكل خير إن شاء الله.

فبغض النظر عن كون تقييم أوضاع حرية الصحافة أصبحت أحد نقاط التقييم لدول الديمقراطيات الناشئة التي تنفذ برامج إصلاح اقتصادي برعاية دولية فإننا يجب أن ننطلق في الحفاظ على حرية الصحافة من قناعة ذاتية كما قال الرئيس قبل أمس لما لمثل هذه الحريات من انعكاسات إيجابية على الأوضاع الداخلية... لذلك فإنني أتمنى تحريك جوانب الجمود التي يمكن أن تؤثر باستمرارها على الحريات الصحفية مع الوقت، وفي مقدمتها حالة الجمود التي دخلتها عملية تعديل قانون الصحافة في إطار الموجهين الأساسيين اللذين طرحهما فخامة الرئيس قبل ثلاث سنوات وهما إلغاء عقوبة الحبس للصحفي بسبب الرأي وزيادة مساحة الحريات الصحفية، وهما موجهان رائعان لا يختلف عليهما كل من ينشد الخير لهذا البلد... كما أتمنى الإسراع في تنفيذ ما ورد في برنامج الرئيس بخصوص القنوات والإذاعات الخاصة وفق ضوابط لا تجعل منها وسيلة لتمزيق الوحدة الوطنية وإثارة أمراض التخلف التي ما دخلت بلدا إلا ودمرته وجعلت أهله جميعا أذلة... وأتمنى أيضا تطبيق القانون الحالي للصحافة ولائحته التنفيذية فيما يخص طلبات إصدار الصحف والمجلات فلدينا قانون يشهد له الآخرون بأنه من أفضل قوانين الصحافة العربية ومن ثم فمن استكمل شروط الإصدار الواردة في القانون فليصدر ما يشاء من الصحف طالما هناك مرجعية قانونية تحكم الجميع... وأخيرا أتمنى على كل أصحاب القضايا المرفوعة ضد صحف في المحاكم أن يسحبوها ليس لأن ذلك من حقهم بل على العكس هو حقهم المشروع الذي لا مراء فيه، إنما من باب فتح صفحة جديدة في هذه المرحلة وبالمقابل أتمنى على أصحاب الصحف والصحفيين المرفوعة ضدهم تلك القضايا أن يكونوا أكثر حصافة ودقة ومسؤولية فيما ينشرونه ويكتبونه مستقبلا حتى لا يتعرضون لمثل هذه المواقف التي تضع كل الصحفيين في حرج وتسيء لصورتهم خاصة تلك الكتابات المليئة بالسب والقذف والابتزاز الرخيص والمكايدة السياسية الغبية!

-----------------------------------------------------


الخميس 10 مايو 2007 09:21 ص

الوحدة اليمنية .. إطلالة تاريخية

بقلم/ علي حسن الشاطر
----------------------


ظلت الوحدة اليمنية عبر مراحل التاريخ حاضرة وحية في ذاكرة الأجيال المتعاقبة باختلاف نظمها الاجتماعية والسياسية ، ومستوى تطورها الاقتصادي والثقافي، واحتفظت بمكانتها في الإرث التاريخي والذاكرة الجمْعية اليمنية كقاعدة وآلية فكرية وعملية صنعت الازدهار التاريخي للمجتمع وأسست له حضارة ومجداً وسلطاناً؛ الأمر الذي عزز من حرص الأجيال المتعاقبة وبالذات طليعتها السياسية والثقافية على استنطاقها في كل أعمالهم وإبداعاتهم الفكرية والأدبية والتاريخية، وتحويلها إلى هدف استراتيجي في برامجهم السياسية ونضالهم الوطني باعتبارها منطلق النجاح في مواجهة تحديات المرحلة وقاعدة راسخة لأي مشروع وطني نهضوي..


وفرضت الوحدة حضورها وفعلها كحتمية وطنية في سياق الانتقاء الطبيعي لقوانين التطور التاريخي والحضاري للمجتمع اليمني، وظلت على الدوام أحد العوامل والشروط الحاسمة للتنمية والأمن والاستقرار الداخلي، وحاضنة للسلم الاجتماعي، ومثلت السبب الرئيس الحقيقي ، والهدف النهائي لكل الصراعات والحروب الداخلية عبر مختلف العصور.


وعلى قاعدة الوحدة اليمنية كهدف، وضمن نطاقها الجغرافي والاجتماعي استمرت التصادمات والصراعات التناحرية لقوى التمزق والتخلف والتيارات النفعية بمصالحها الضيقة ضد محفزات وشروط التوحد والتطور والنهوض التنموي، التي تعبر عنها الجماهير في احتياجاتها التنموية المتنامية، ومتطلباتها الملحة للأمن والاستقرار الداخلي ، وتجاوز صراعاتها وحروبها البينية ومع محيطها الاجتماعي والسياسي، والخروج من واقع التمزق الوطني وشرنقة الكيانات السلطوية والدويلات الصغيرة التي استنفدت قدراتها على الاستمرار، وتحولت إلى معوقات في طريق التقدم التنموي يقتصر دورها على إنتاج التخلف والقهر الاجتماعي وعوامل عدم الاستقرار الداخلي والإقليمي.


الصراع من أجل الوحدة مثّل على الدوام مواجهة مفتوحة بين الجماهير وقواها الاجتماعية والسياسية الحية، ضد مراكز النفوذ والهيمنة الاقتصادية والسياسية والقيادات المحلية ونزعاتها التسلطية، التي بقيت حريصة في الحفاظ على مستعمراتها القبلية والأسرية الخاصة والمتوارثة، ومثلت الوحدة في مراحل تاريخية مختلفة أحد أهم الشعارات والمبررات السياسية والاجتماعية لحشد الجيوش، والمحفزة للكيانات الوطنية الداخلية المتميزة بقوتها الاقتصادية والعسكرية، لبسط نفوذها ومناطق مصالحها وسيطرتها المباشرة على ما حولها من الكيانات الصغيرة، وفي كثير من الحالات التاريخية كانت القوة والحروب تمثلان وسيلة للسيطرة تحت شعار الوحدة، إلا أن التطورات اللاحقة لمثل هذا النوع من الحروب، كانت تحكمها قوانين التطور الموضوعية، وحاجة المجتمع إلى التعايش والعيش بسلام، وكذلك الحاجة السياسية الوطنية الرسمية والشعبية إلى احتواء النزاعات الداخلية والتمردات الانفصالية، وتحقيق الاستقرار والازدهار الاقتصادي التنموي؛ الأمر الذي حتم بالضرورة ظهور تشريعات سياسية وقوانين وأنظمة داخلية متطورة باستمرار لتنظيم العلاقات وتوازن المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للكيان الجديد، وتعزز أواصر التوحد الاجتماعي بشكل يضمن لهذه الوحدة ديمومة الاستمرارية والاستقرار والازدهار الحضاري عبر التاريخ.


ظلت الوحدة الإطار العام الحاضن للكيان اليمني الحضاري الذي بقي على الدوام كتلة تاريخية اجتماعية واقتصادية وسياسية تمتلك من قواسم التوحد الموضوعية والتاريخية بمكوناتها المختلفة أكثر مما تمتلكه من شروط التفكك الجغرافي والتمزق والذاتية التي تمكنت من فرض وجودها وسيادتها المرحلية المؤقتة بين الحين والآخر على أنقاض الدولة المركزية المتحللة بفضل جملة من الأسباب والعوامل الداخلية والخارجية التي تتباين من مرحلة إلى أخرى وأهمها في الغالب العام الضعف والانهيار السياسي والاقتصادي الداخلي أو الغزو والتدخل الخارجي وجميعها عوامل مولدة ومحفزة لاستشراء النزعات الانفصالية..


وخلال هذه المراحل الاستثنائية لم تعرف اليمن الاستقرار الداخلي وتحولت إلى ساحة حروب وصراعات داخلية من أجل المصالح والنفوذ، ولكنها كانت سرعان ما تتحول إلى حروب من أجل التوحد بأشكال وأساليب مختلفة ووسائل سلمية وغير سلمية، هذه الصراعات والحروب لم تكن من حيث جذورها وأسبابها الحقيقية وطابعها العام، معبرة عن نزعة أو إرادة سياسية سلطوية محضة، بل مثلت إرادة شعبية وحاجة وطنية تنموية لها جذورها وعواملها وأسبابها الموضوعية النابعة من حقيقة أن اليمن استمرت عبر تاريخها الحضاري كياناً "اجتماعياً، قبلياً، سياسياً، ثقافياً، اقتصادياً، جغرافياً وطبيعياً موحداً" ومتكاملاً في مكوناته ومصالحه ووظائفه وعلاقاته الاجتماعية والاقتصادية والتجارية.


والدويلات التي كانت تبرز هنا وهناك عقب انهيار وتفكك الدولة المركزية الموحدة لم يكتب لها التطور والازدهار والاستقرار لفترة زمنية طويلة وتدخل مع بعضها البعض في صراع تناحري مصيري يكون البقاء فيه للأقوى ، ويستمر وجودها في حالة حرب متواصلة، وعرضة لغزوات القبائل الفقيرة من حولها، إلى جانب عدم قدرتها على احتواء صراعاتها الداخلية الناشئة على قاعدة تباين المصالح الاقتصادية والسياسية، والهيمنة بين أقطابها الرئيسة المكونة لها "الاجتماعية ،القبلية والاقتصادية" من خارج إطارها الجغرافي الوطني.. في حالات عدة استطاعت بعض الدويلات الاستمرارية بحكم وجودها في مناطق تتميز بثرائها الاقتصادي وامتلاكها مرحلياً لمقومات الاكتفاء الذاتي، إلى جانب عزلتها الجغرافية وحصانتها الدفاعية وقوتها العسكرية، ونجاح البعض منها بحكم قربها من الساحل في خلق علاقات اقتصادية تجارية مع كيانات جديدة.


مراحل التمزق وعصور الدويلات الصغيرة ظلت استثنائية وتولدت عنها عوامل عدم الاستقرار والتخلف المريع في مختلف مناحي الحياة، وجعلت البلاد ضعيفة ومفتوحة أمام التدخل والغزو الخارجي الذي استشرى فعله وأثره في مراحل التاريخ الوسيط والحديث، هذه المراحل ولّدت من داخلها شروط وإمكانات وقوى التغيير والوحدة، سرعان ما كانت تفرض وجودها وإرادتها وتتحول خلال فترة وجيزة إلى مركز جذب واستقطاب سياسي واجتماعي يمدها بعناصر القوة والاستمرارية والنجاح في تصحيح الاختلالات التي تعتري مسارات التطور التاريخي للمجتمع اليمني لتعيده إلى واقع التوحد.


القادة الوحدويون الذين يخرجون من أية شريحة اجتماعية أو منطقة يمنية وحتى أولئك الذين جاءوا من خارج اليمن بعد الإسلام "الزياديين، الأيوبيين، الرسوليين وحتى بعض الأئمة" كانوا يجدون الشعب بمختلف مكوناته وشرائحه الاجتماعية وانتماءاته القبلية والجغرافية يلتف حولهم في مواجهة القوى والتيارات والكيانات الانفصالية، ومثل هذا الموقف الشعبي وإن كان يعبر عن موروث ثقافي وحضاري تاريخي، ويجسد الحاجة الوطنية التنموية، فإنه يعبر في الوقت ذاته عن حاجة الشعب إلى الأمن والاستقرار المعيشي والحياتي، ورفضهم القبول بواقع العبودية التي كان يفرضها عليهم الزعماء المحليون داخل إقطاعياتهم الخاصة .


القراءة المتأنية في النقوش والآثار اليمنية القديمة والمخطوطات والمدونات والمصادر والمراجع التاريخية المختلفة، تؤكد أن الدويلات المحلية الصغيرة رغم ما حققه البعض منها من ازدهار ونفوذ داخلي وخارجي ظل دورها في التاريخ الحضاري اليمني والإنساني محدوداً ولم يترك ذلك الأثر والمجد الحضاري والإنساني الذي خلفته الدولة الوحدوية القوية، كما تؤكد نجاحات القادة والزعماء الوحدويين ضد أعدائهم وتمجدهم وتخلدهم، رغم ما تركه البعض من دمار وارتكبه من فظائع وجرائم بحق أعدائه، ومثل هذا التمجيد هو أبعد من أن يكون هدفه القائد بذاته ولكنه كان تمجيداً وتخليداً للقضية الوحدوية التي قاتل في سبيلها.


آخر وحدة عرفتها اليمن كانت في القرن السابع عشر على يد الإمام إسماعيل بن محمد القاسم التي لم تستمر طويلاً لعدم اقترانها بمشروع وطني تنموي حضاري يضمن نجاحها وازدهار الوطن وتمزق الدولة القاسمية ودخولها معترك الصراعات بين الأسرة الحاكمة في سبيل السلطة والثروة . الأمر الذي أضعف من قوة وتماسك اليمن ومهد لدخولها تحت السيطرة الاستعمارية وبالذات الأوروبية.


تجدر الإشارة هنا إلى أن اليمن تعرضت للغزو الاستعماري البرتغالي في عهد الدولة الطاهرية إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل رغم استخدام المستعمرين الأسلحة النارية التي لم تكن معروفة حينها لدى اليمنيين لكن الدولة كانت قوية ومتماسكة وموحدة مما أهلها للصمود في وجه الغزاة.


سيطرة الأتراك على الشطر الشمالي والبريطاني على الشطر الجنوبي من اليمن أجهض كل المساعي والنضالات الوحدوية فقد اعتمد المستعمرون إستراتيجية التفتيت الداخلي للوطن كضمانة أكيدة لاستمرار وجودهم وسيطرتهم الاستعمارية.. إلا أن الوحدة ظلت قضية حية في الوعي والوجدان الاجتماعي والمكون الثقافي والروحي للشعب.. ومثلت حاضنة لحفظ الهوية الوطنية والتحريرية والثقافية، وسداً في وجه محاولة التغريب وطمس الهوية اليمنية والانتماء الوطني والتاريخي للشعب، كما مثلت شعاراً ومنطلقاً وأداة للنضال الوطني التحرري ضد الوجود الأجنبي.


على مدى أكثر من قرن قاتل أبناء الوطن الواحد جنباً إلى جنب ضد الوجود العثماني وتصدوا للغزو والاحتلال البريطاني، وكانت المناطق الشمالية حاضنة لكل المناضلين الجنوبيين ضد الاستعمار البريطاني ووفرت لهم المأوى ومقومات الحياة والعيش والدعم المادي والمعنوي الذي كان يقتطعه المواطنون من لقمة عيش أسرهم، وكذلك كانت المناطق الجنوبية حاضنة لأبناء الشمال.. في عدن تأسست أول حركة سياسية مناهضة للإمامة، وفي صنعاء تأسست أول جبهة للنضال الثوري المسلح ضد الاستعمار البريطاني، وهذا تأكيد أن الوحدة اليمنية كحقيقة تاريخية ظلت حاضرة بقوتها وفعلها كقاعدة انطلاق للنضال الثوري اليمني من أجل الحرية والتقدم الحضاري وشكلت على الدوام الأساس الموضوعي (الاجتماعي، الثقافي، السياسي، الاقتصادي والعسكري) لنضال الشعب اليمني ضد الاستعمار والإمامة والكيانات التمزيقية بمسمياتها وشعاراتها وسلطاتها المختلفة.


في هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن الحركات والتيارات الثورية والأحزاب السياسية التحررية التي بنت برامجها النضالية على أساس جهوي شطري وتجاهلت الوحدة اليمنية كقاعدة برامجية لنضالها ومشاريعها وأهدافها السياسية لم يكتب لها النجاح على الرغم من بلوغ العديد منها درجة كبيرة من النجاح والشهرة والنفوذ السياسي الخارجي والاجتماعي الجهوي؛ إلا أنه سرعان ما اعتراها الضمور السياسي والاجتماعي والثقافي، وأفل نجمها من ساحة النضال الوطني بسرعة رغم شدة سطوعه، وغادرت مسرح الأحداث بعد أن فرض الواقع وحقائقه الوحدوية والموضوعية والتاريخية عليها الاضمحلال والانطواء في ركن قصيّ ومجهول من التاريخ مفسحة المجال لقوى ثورية وحدوية جديدة خرجت بعض قياداتها وعناصرها من بين هذه الأحزاب والتيارات السياسية ذات النزعات الشطرية والجهوية.. هذه القوى الجديدة التي جعلت من الوحدة حاضنتها التاريخية والاجتماعية والسياسية وأداتها وهدفها الإستراتيجي استطاعت خلال فترة وجيزة فرض وجودها وهيمنتها وخياراتها وبرامجها على الساحة الوطنية.


منذ انتصارها كرست الثورة اليمنية ( 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963) جل جهودها وإمكاناتها وطاقاتها المادية والبشرية، للدفاع عن وجودها وخيارات الشعب في الحرية والاستقلال والازدهار الحضاري، وخاضت حروباً واسعة في التصدي للتآمرات الداخلية والخارجية، ونجحت الثورة في إخراج الشعب من واقعه الاستعماري وتحريره من أغلال التخلف والجهل والفقر، والنهوض بمستوى حياته المادية والروحية كمطلب ملح وقضية محورية لإعادة صياغة الوحدة اليمنية التي حتمت المزيد من الجهود والإمكانات في معالجة وإعادة إصلاح وترميم التمزقات والتشوهات والدمار الذي خلفه النظام الاستعماري الإمامي في كيان ووحدة الوطن ( الجغرافية، الاجتماعية، الثقافية، العقائدية الدينية) وإعادة تشكيل وبناء الكيانات والمكونات الجغرافية والسياسية القبلية التي خلفتها المراحل السابقة وإذابتها في النسيج الوطني العام للدولة داخل كل شطر على حده، والعمل في الوقت ذاته على تربية الأجيال على أسس ومعايير وحدوية خلقت جيلاً جديداً يتجاوز في ثقافته وقناعته الفكرية وسلوكه العملي أسوار التمزقات السياسية الجهوية والطائفية والمذهبية والقبلية وعبور الحواجز الفكرية والسياسية والاقتصادية الشطرية.


خلال ثلاثة عقود من تاريخها ساهمت الثورة في تجذير قيم الوحدة وفكرها وقواها الاجتماعية وتطهير ذاتها من الثقافات والميولات والقناعات ذات النزعات الانفصالية إلى جانب إعادة صياغة الواقع الوطني داخل كل شطر مادياً وثقافياً وتاريخياً واخلاقيا ًعلى أسس وطنية وحدوية.


التباين الأيديولوجي في نظم الحكم السياسي السائدة في الشطرين في مرحلة ما بعد الثورة وتمترس كل قيادة في الدفاع عن نهجها الأيديولوجي وخياراتها السياسية ومحاولة فرضها كقاعدة فكرية واقتصادية وسياسية تقوم عليها وحدة اليمن المنشودة، هذه التباينات لم تكن كافية لاحتواء المد الشعبي ضمن الحسابات السياسية الشطرية الضيقة.. وما تم فرضه من حواجز واشتراطات ومعوقات أمام المسيرة الوحدوية كانت في غالبها العام ذات منابع سياسية ذاتية ولاتمثل أسسا ومبررات موضوعية لها، ولهذا ظلت عاجزة عن الاستمرار في فعلها كحواجز وسدود أمام الوحدة التي فرضت وجودها على الساحة والوعي السياسي الرسمي والشعبي من خلال حربين شهدهما الشطران ومن خلال صراع سياسي وثقافي وعسكري طويل وغير مباشر كانت الوحدة على الدوام سببه الحقيقي وهدفه الرئيس؛ وشكل ذلك أحد الأسباب والدوافع المهمة لتطويع الإرادة السياسية الحاكمة وحتم على قيادة الشطرين الانصياع لقوانين التاريخ وتطوراته الموضوعية.. وجاءت الحوارات والاتصالات الوحدوية وتدرجها عبر مراحل مختلفة استجابة منطقية لإرادة الجماهير وقناعاتها الوحدوية.. وكان فخامة الرئيس علي عبدالله صالح أكثر الزعماء اليمنيين استيعاباً لهذه الحقائق والمدركات الوطنية حين بادر إلى إخراج القضية الوحدوية من دائرة الحروب والمناورات والمساومات السياسية لأنظمة الحكم المتعاقبة في الشطرين إلى دائرة الحوار الجماهيري المباشر والمفتوح حررها من قيودها وأنزلها من الأبراج العالية للسلطة ومصالحها الضيقة إلى الشارع الشعبي الذي تعاطي معها من منظور مصالحه واحتياجاته الماسة إليها، ومثّل هذا الإجراء البداية العملية لربط الوحدة مباشرة بالشعب وهو نهج سياسي تبلور فيما بعد إلى ما يسمى بالمفهوم الديمقراطي للوحدة.. وحين أضحت الجماهير ممسكة بزمام القضية الوحدوية أصبح حلمها التاريخي حقيقة واقعية معاشة وبات من المستحيل على أي كان استخدامها للمناورات السياسية أو التراجع عنها تحت أي مبرر من المبررات؛ لأن ذلك يمثل خيانة للوطن والشعب وتضحياته الطويلة.


ولم يجد حينها أصحاب المصالح وحتى أشد الناس عداءً للوحدة في الداخل والخارج بداً من الانسياق مع هذا التيار الوحدوي الوطني الجارف والانصياع لإرادة الجماهير، ولم يتردد الكثير من أعداء الوحدة في الشطرين في إظهار مشاعرهم وأفراحهم وذرف (دموع التماسيح) يوم الإعلان عن وحدة الوطن، وكانت هذه إحدى وسائل التمويه الهادفة إلى إخفاء عدائهم للوحدة وتأكيد حضورهم الفاعل والمؤثر سلباً في إطار الكيان الوحدوي الجديد، وقد ظل هؤلاء في حالة كمون وسبات شتوي إلى أن لاحت لهم الفرصة والإمكانات المواتية للانقضاض على هذا الانجاز، وهذا ما حصل بالفعل حين أعلن بعض الشركاء في صناعة هذا الانجاز الانقلاب العسكري والارتداد على الوحدة في العام 1994م وهو ما يتأكد اليوم من خلال مشاريعهم التفكيكية ونهجهم الانفصالي والتدميري الذي لا ولن ينجح ما دامت الوحدة محروسة بعناية الله وبإرادة الشعب اليمني.
----------------------------------------------------------
الثلاثاء 18 مايو 2010 06:15 م

اليمن أولاً !

بقلم/ عبده بورجي
------------------


في لقاء جمعني بأحد القيادات التربوية المخضرمة دار بيني وبينه نقاش طويل حول مناهج التعليم وعلى وجه الخصوص مادتي التاريخ والتربية الوطنية في مختلف مراحل التعليم في مدارسنا وكان التساؤل يدور هل استطاعت مناهجنا التعليمية التربوية أداء دورها في غرس قيم الولاء والانتماء الوطني بقدر كافٍ في نفوس جيل الشباب والناشئة وهل محتواها الراهن يحقق هذه الغاية أم أن هناك ثمة اختلالات كبيرة وجوانب قصور ملموسة في هذه المناهج ولأسباب لا يتسع المجال لسردها هنا جعلها عاجزة وغير قادرة على خلق وعي معرفي وتوعية وطنية سليمة خاصة بحقائق التاريخ اليمني وإشراقات الحضارة اليمنية القديمة وإبراز مكونات الشخصية اليمنية وملامح الهوية الوطنية المرتبطة بها من قيم وإبداعات وريادة وشجاعة وإقدام وخصوبة في العطاء الإنساني وموروث ثقافي واجتماعي متميز بتنوعه وتفرده وتألقه حتى مع وجود بعض الهنات التي لا يمكن إنكارها .. وما من شك فأن قراءة فاحصة في مواد التاريخ والتربية الوطنية للمراحل الدراسية المختلفة تكشف الحقيقة المرة التي تبرز مدى الفجوة القائمة بين الغاية الوطنية المنشودة من مدخلات المناهج وبين المخرجات الناتجة عنها والتي للأسف لم تستطع إنتاج جيل يمني شاب متعلم محصن بقيم الولاء والانتماء الوطني وحب اليمن وجعلها أولاً وفوق كل الاعتبارات والمصالح الحزبية أو الذاتية والأنانية وغيرها.. ونتيجة لذلك وجدنا هذا الجيل يعش حالة التيه والاغتراب النفسي والتجهيل وغياب الوعي المعرفي بل والشعور بالدونية إزاء مسائل متصلة بالهوية الوطنية والفخر الوطني والاعتزاز بالانتماء لليمن أرضاً وإنساناً وتاريخاً وحضارة وثقافة وهوية.. بل أن ذلك الجيل أصبح في ظل تلك الحالة الملتبسة لديه حول تاريخه وانتمائه الوطني يشعر بعدم الثقة والاستعداد للتفريط والتهاون إزاء قضية الولاء الوطني والدفاع عنه وتمجيده وصيانة مصالحه والإعلاء من شأنه ومن رموزه السيادية والوطنية.. وزاد الطين بلة أن جماعات وقوى متربصة ومعادية أستغلت كل ذلك وقامت بشكل منظم ومبرمج بدور هدام استهدف عقول ونفوس هذا الجيل بهدف تخريبها من الداخل والتشويش على أي إدراك صحيح لدى المنتمي إلى هذا الجيل الذي ترعرع في كنف الثورة والجمهورية والوحدة وتشكيكه في كافة الحقائق ذات الصلة بالتاريخ اليمن قديمه وحديثه وتعبئته في اتجاهات خاطئة لتخلق جيلاً مهزوماً وسطحياً في تفكيره واهتماماته بل وناقماً ومتذمراً على واقعه الراهن وأداة سهلة في يدها تناهض به القيم والانجازات والمبادئ التي قدمت في سبيلها تضحيات غالية وجسيمة وذلك بعد أن بذلت تلك القوى كل جهدها من أجل طمس الحقائق عن العهود المظلمة والجوانب المأساوية البائسة التي عاشها الشعب اليمني وأجياله المتعاقبة سواء في عهد ما قبل قيام الثورة أو إعادة تحقيق الوحدة المباركة .. ومن المحزن القول أن المناهج التعليمية والى جانبها وسائل التثقيف والإعلام والتوعية والفكر والفن قد ساهمت إلى حد كبير في أن يجد مثل هؤلاء المتربصون فرصتهم للتشويش على الذاكرة الوطنية لدى قطاع واسع من جيل الشباب والناشئة الذين لم تقدم لهم تلك المناهج والوسائل جرعات كافية للإلمام بواقع الماضي وماسية وأحزانه وإظهار مخاطر إستجلابه أو العودة إليه مرة أخرى تحت أي شعار أو رداء أو تبرير..
 
لهذا ينبغي أن تكون هناك وقفة وطنية مسؤولة إزاء إعادة النظر في مناهج التعليم والتربية وتحديداً مادتي التربية الوطنية والتاريخ ومن مختصين ومفكرين يستشعرون مسؤوليتهم الوطنية في بناء جيل يمني محصن بالقيم الفاضلة الدينية والوطنية ومبادئ الولاء والانتماء الوطني وغرس مفاهيم الحب لليمن والاعتزاز والفخر بالانتساب إليه وهناك إشراقات رائعة في سفر الحضارات اليمنية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ والذي هو بدوره حافل بالأدوار والمواقف والانجازات والعطاءات المتميزة التي قدمها اليمنيون عبر مسيرتهم التاريخية وحضاراتهم القديمة التي كانوا الرواد في إِشادتها كحضارات حيّاة وتقدم وإزدهار وبناء ممالك وإمارات ودول على أسس من التنظيم والشورى والقوة والمنعة والبأس الشديد .. وكذا ما تلى ذلك من مواقف الانتصار لراية الإسلام ونشرها في مختلف أصقاع الأرض وكانوا "الأنصار" الصادقين الأوفياء الحاضنين للمبشر العظيم (ص) ورسالته المحمدية السمحاء وصحبه الأخيار وكانوا الجنود الأشداء الطلائع في ركب الفتوحات الإسلامية ورسل العقيدة والحق والعدل والفضيلة الذين جسدوا بسلوكهم المثالي وتعاملهم الإنساني الرفيع القدوة الحسنة التي أهتدى بها الآخرون من شعوب العالم في "شرق وجنوب آسيا وشمال أفريقيا وغيرها" ليدخلوا في دين الله أفواجاً .. لتتواصل بعد ذلك مسيرة الكفاح انتصاراً للذات والكرامة الإنسانية ومواجهة الظلم والاستلاب والتخلف وإعلاء قيم الحرية والاستقلال والحياة .. فهذه هي اليمن وهؤلاء هم اليمنيون صناع التاريخ وأصل العروبة الذين ينبغي أن تعرف حقيقتهم أجيال اليمن وتعتز بانتمائها لهم وأن تعمل مناهجنا التعليمية والتربوية وكل وسائل التثقيف والتوعية والإعلام والفكر والفن من أجل النهوض به، وهذا هو الواجب الذي ينبغي أن لا يتقاعس عن أدائه أي يمني غيور يحب وطنه أينما كان موقعه أو انتماؤه أو قناعاته الفكرية وسواء داخل الأسرة أو في نطاق المجتمع .. فاليمن بحاجة إلى جهود كل أبنائها .. وهي تستحق منا جميعاً أن نعمل من أجلها الكثير الكثير وأن نغرس في نفوس أبناءنا وأحفادنا معاني الحب والوفاء وصدق الولاء والانتماء لها وبحيث يكون شعارنا دوماً وجميعاً "اليمن أولاً" نتفق ونتباين تحت ظلالها ومن أجلها فهي أساس وجودنا ومصيرنا وهويتنا ومستقبل أجيالنا القادمة .. فهل من يدرك؟!.
--------------------------------------------------------------
السبت 12 ديسمبر-كانون الأول 2009 09:04 م

اليمن ومجلس التعاون والمركب الواحد

بقلم/ خير الله خيرالله
 ----------------------


كان مؤتمر المانحين لدعم التنمية في اليمن الذي انعقد في لندن قبل أيّام خطوة في اتجاه تصحيح الأوضاع السائدة في المنطقة العربية عموماً وفي شبه الجزيرة العربية تحديداً. تدلّ علي ذلك نتائج المؤتمر الذي توّج بحصول اليمن علي مساعدات وتسهيلات مالية بقيمة أربعة بلايين وسبعمئة مليون دولار. هذا الرقم مهمّ وكان من الأفضل لو زاد علي ذلك. لكنّ ما هو أهم من الرقم مشاركة أربعين دولة ومؤسسة دولية في مؤتمر لندن الذي كان بين الداعين له مجلس التعاون لدول الخليج العربية ووزارتا التنمية الدولية والخارجية البريطانيتان فضلاً عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية وصناديق التنمية في دول مجلس التعاون ومؤسسات دولية واسلامية عدّة.


جاء نصف المساعدات والتسهيلات من دول مجلس التعاون. وكان الرئيس علي عبدالله صالح، الذي جاء إلي لندن للمشاركة في المؤتمر فحضر جلسة الافتتاح وكان أبرز المتحدثين في المؤتمر الصحافي الذي اختتم به المؤتمر، في غاية الوضوح عندما تحدث عن بداية مرحلة الشراكة الحقيقية بين دول مجلس التعاون من جهة واليمن من جهة أخري. والواقع، أنه يفترض في العلاقة بين الجانبين أن تدخل مرحلة أكثر تقدّماً في مجال الشراكة، أي إلي مرحلة وحدة الحال من زاوية أن اليمن يُعتبر الحديقة الخلفية لمجلس التعاون والخزّان البشري العربي فيه. والأكيد أن هذا الخزّان عنصر من العناصر المهمّة التي تحافظ علي التوازن السكاني في المنطقة علي نحو يصبّ في حماية عروبتها. وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل الحجم السكّاني لليمن في المنطقة ولا يمكن في الوقت ذاته تفادي الاعتراف بأنّ بعض دول المنطقة تشكو من طغيان العمالة الأسيوية وغير الأسيوية بما يطرح في المديين المتوسّط والبعيد، وثمة من يقول في هذه الأيّام بالذات، مشاكل من النوع الذي يؤدي إلي انعكاسات سلبية علي التركيبة السكّانية في منطقة الخليج.


بعيداً عن هذا النوع من المشاكل التي تتحدث عنها شخصيات خليجية تتمتع بالشجاعة منذ فترة طويلة ولكن من دون أن يؤدّي ذلك إلي أيّ اجراءات ذات طابع عملي علي صعيد التصدّي لها، لا بدّ من الاعتراف بأنّ التقارب بين اليمن ومجلس التعاون لدول الخليج العربية دخل مرحلة مختلفة. ستقود هذه المرحلة عاجلاً أم آجلاً إلي انضمام اليمن إلي المجلس بعيداً عن الحساسيات المبالغ بها والتي كانت سمة ميزّت العلاقات بين صنعاء وعدد من العواصم الخليجية. كان هناك دائماً من يتحدّث عن وجود عقبات كبيرة في وجه ايّ تقارب بين اليمن ومجلس التعاون. بين هذه العقبات انزعاج بعضهم من الوحدة اليمنية ومن التعددية الحزبية في اليمن وحتي من النقاش المفتوح الذي يشهده مجلس النوّاب اليمني، وهو نقاش كان ينقل مباشرة عبر التلفزيون ويعطي فكرة عن الحياة السياسية في البلد الفقير في حين أن مثل هذه الحياة غائبة عن دول غنيّة مكتوب علي شعوبها أن تكون محرومة من أي نشاط ذي طابع سياسي، وكأنّ هذه الشعوب لم تبلغ بعد سنّ الرشد. وكان هناك انزعاج من قدرة اليمن علي اتّباع سياسة متحررة علي غير صعيد من أيّ وصاية خارجية من أي نوع كان. وكان هناك من يتذرّع في الماضي بأنّ اليمن يتّبع نظاماً مختلفاً عن أنظمة كلّ الدول الأخري في مجلس التعاون نظراً إلي أنّه الجمهورية الوحيدة في المنطقة المحيطة به. وكان ذلك بمثابة سبب كاف لاستبعاده عن المجلس، أقلّه بالنسبة إلي بعضهم. ومن الذرائع الأخري التي أستُخدمت لمنع اليمن من أن يكون علي علاقة عضوية بمجلس التعاون، ذريعة أن لديه مشاكل حدودية مع البلدين اللذين لديه حدود برّية معهما أي مع سلطنة عُمان والمملكة العربيّة السعودية. أستطاع اليمن التوصّل إلي اتفاق مع عُمان في شأن الحدود. وفي العام 2000، توصّل إلي معاهدة مع السعودية وضعت حدّاً لنزاع عمره ما يزيد علي ستّة عقود. وإلي الآن هناك من لا يصدّق أن هذا الأمر قد حصل!


علي الرغم من أنّه لم تعد هناك مشاكل تذكر بين اليمن ودول مجلس التعاون، بقيت العلاقة بين الطرفين تراوح مكانها، علماً أن الرغبة اليمنية في البحث في تقارب جدّي مع مجلس التعاون ظهرت إلي العلن في العام 1996 . واذا كان لا بدّ من كلمة حقّ تقال، فهي أن أمير قطر صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني امتلك وقتذاك ما يكفي من بعد النظر لدعوة الأعضاء الآخرين في مجلس التعاون إلي البحث في العلاقة مع اليمن. وكانت سلطنة عُمان العضو الآخر الوحيد الذي أبدي وقتذاك نوعاً من التفهم لهذا الموضوع الحسّاس.


تغيّر العالم وتغيّرت المنطقة. هناك بكلّ بساطة تحدّيات جديدة تواجه دول شبه الجزيرة العربية بما في ذلك اليمن. لذلك، بدا التقارب بين صنعاء والعواصم الخليجية الأخري أكثر من حتمي. هناك حاجة إلي التفكير بطريقة مختلفة تقوم علي أن أمن المنطقة كلّ لا يتجزّأ. وبكلام أوضح، أن أمن اليمن من أمن دول مجلس التعاون والعكس صحيح. ومن هذا المنطلق، كان طبيعياً أن تبدأ عملية ازالة الحساسيات التي تحكّمت بالعلاقة بين الطرفين تمهيداً لتجاوزها بشكل نهائي في مرحلة ما. لم يعد طبيعيّاً أن تكون اليمن مهدّدة من داخل بسبب مواردها المحدودة بعدما قطعت شوطاً بعيداً علي طريق القيام بالاصلاحات السياسية التي تتماشي مع عملية دخول القرن الحادي والعشرين. وتوّجت الاصلاحات بالانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر- أيلول الماضي . شهدت الانتخابات تلك تنافساً حقيقيّاً بين علي عبدالله صالح وآخرين علي رأسهم مرشّح المعارضة ممثّلة بلقاء أحزاب اللقاء المشترك .ولم توفّر المعارضة طريقة الاّ واستخدمتها من أجل اسقاط الرئيس اليمني...


كان لا بدّ من الاصلاحات السياسية. لكنّ هذه الاصلاحات لا تكفي لتكريس الاستقرار في البلد. أن الاستقرار السياسي تحقق إلي حدّ ما في اليمن الذي استطاع تجاوز كلّ العقبات التي واجهت البلد بعد استعادته وحدته في الثاني والعشرين من مايو- أيّار 1990 . لكن هذا الاستقرار يظل نسبياً، حتي لا نقول مهدّداً، من دون الأمن الاقتصادي والاجتماعي. وكان الرئيس اليمني في غاية الصراحة في لندن عندما تحدّث عن المشاكل الداخلية التي تعاني منها بلاده وعن ضرورة السعي إلي ايجاد حلول لها. لم ير علي عبدالله صالح عيباً في القول أن المواطن اليمني يريد الدواء والخبز والمياه والطاقة وأن المعركة هي مع الفقر والجهل والبطالة. في النهاية، كان لا مفرّ من ظهور وعي خليجي إلي جانب وعي دولي لأهمّية دعم اليمن في عملية التنمية، ذلك أن لا شيء يشجع علي نشوء الارهاب ونموّه أكثر من الجهل والفقر. أكثر من ذلك، ماذا ينفع دولة مثل السعودية اذا أقامت جداراً أمنيّاً علي طول حدودها مع العراق، وهو ما تفكّر فيه جدّياً هذه الأيّام، ولم تلتفت إلي ما يدور في الحديقة الخلفية لدول مجلس التعاون، أيّ إلي ما يدور في اليمن؟ الجميع في مركب واحد. ولذلك، أنّ الاستثمار في الاستقرار اليمني عن طريق توفير الدعم الاقتصادي لهذا البلد هو بمثابة استثمار في الأمن الخليجي أيضاً... وفي ما هو أبعد من ذلك أيضاً نظراً إلي العلاقات التي تربط اليمن بالقرن الأفريقي وتأثّره بما يدور في تلك المنطقة.


لا يمكن الحديث عن مؤتمر المانحين لدعم اليمن بصفة كونه مجرّد خطوة متواضعة في الطريق الصحيح، أي في اتجاه بدء ربط اليمن بمجلس التعاون. ما حدث كان منعطفاً في اتجاه حسم موضوع العلاقة بين اليمن ودول مجلس التعاون. هناك باختصار تحديات جديدة وكبيرة أمام الجميع ليس في استطاعة أيّ طرف تجاهلها. انها تحدّيات من النوع الذي يفرض تجاوز كلّ أنواع الحساسيّات في وقت يبدو الشرق الأوسط كلّه مقبلاً علي أحداث ضخمة يصعب التكهن بالنتائج التي ستترتّب عليها.
-----------------------------------------
الثلاثاء 21 نوفمبر-تشرين الثاني 2006 04:12 م